
زراعة صمام قلبي حي تنقذ ثلاث فتيات وتغير قواعد الجراحة القلبية
إنجاز طبي غير مسبوق: زراعة صمام قلبي حي تنقذ ثلاث فتيات وتغير قواعد الجراحة القلبية
في صباح بارد داخل مركز جامعة ديوك الطبي، كان الأطباء يستعدون لواحدة من أكثر العمليات الجراحية تعقيدًا في تاريخ جراحة القلب. في غرفة العمليات، كانت الطفلة البالغة من العمر 11 عامًا، جورني كيلي، تقاتل من أجل حياتها بعد أن أصيبت بفشل قلبي مفاجئ. لم يكن أمام الأطباء سوى خيار واحد لإنقاذها: زراعة قلب جديد على الفور.
في الوقت ذاته، وعلى بعد أمتار قليلة، كانت مارغريت فان بروغن، البالغة من العمر 14 عامًا، تخوض معركة أخرى ضد التهاب الصمام القاتل، وهو عدوى خطيرة أصابت الصمام التاجي (الميترالي) في قلبها وأتلفته بالكامل. لم يكن هناك أي خيار أمام الأطباء سوى استبدال الصمام التالف، لكن المشكلة تكمن في أن الخيارات المتاحة للأطفال ليست مثالية. فالصمامات الصناعية لا تنمو مع المريض، ما يعني أن مارغريت ستحتاج إلى عدة جراحات قلب مفتوح مع تقدمها في العمر.
وسط هذه التحديات الطبية الصعبة، قرر فريق الجراحة اتخاذ خطوة جريئة وغير مسبوقة—خطوة ستغير مستقبل جراحة القلب للأطفال.
بمجرد أن حصلت جورني كيلي على قلبها الجديد، لم يكن قلبها الأصلي صالحًا للعمل ككل، لكنه لا يزال يحتوي على صمامات سليمة. وهنا جاء القرار الثوري:
قام الجراحون باستخراج الصمام التاجي الحي من قلب جورني الأصلي وزرعوه مباشرة داخل قلب مارغريت فان بروغن، ليكون بذلك أول صمام تاجي حي يُزرع على الإطلاق.
لكن هذا لم يكن الإنجاز الوحيد في ذلك اليوم. فقد تم استخدام صمام آخر سليم من قلب جورني لإنقاذ حياة طفلة ثالثة، كينسلي فريزل، البالغة من العمر 9 سنوات، والتي وُلدت بمتلازمة المنغوليه ، وهي حالة تؤثر على تطور القلب لديها.
وهكذا، أصبحت ثلاث فتيات صغيرات مرتبطات معًا من خلال ابتكار طبي مذهل سيعيد تعريف طريقة علاج أمراض القلب لدى الأطفال.
لطالما كانت زراعة الصمامات القلبية للأطفال تحديًا معقدًا. فالصمامات الصناعية لا تتكيف مع نمو الطفل، مما يفرض على المريض الخضوع لعدة عمليات جراحية متكررة. أما الصمامات البيولوجية المستخرجة من المتبرعين المتوفين دماغيًا، فغالبًا ما تفقد فعاليتها بمرور الوقت.
لكن استخدام صمام تاجي حي مستخرج من متبرع حي يمثل قفزة نوعية، إذ إن هذا الصمام سيواصل النمو مع الطفل، مما يقلل بشكل كبير الحاجة إلى العمليات الجراحية المستقبلية.
الدكتور دوغلاس أوفربي، أستاذ الجراحة في جامعة ديوك وأحد الجراحين الذين أجروا العملية، أوضح أهمية هذا الاكتشاف قائلاً:
“ليس لدينا خيارات جيدة للصمامات القلبية لدى الأطفال. جميعها تتطلب عمليات جراحية متكررة، ونحن نعلم أنها ستفشل في المستقبل. إنه أمر صعب جدًا أن تخبر الأهل بأن طفلهم سيحتاج إلى جراحة أخرى بعد ستة أشهر فقط. ولكن الآن، أصبح لدينا حل مختلف تمامًا.”
عندما أبلغ الأطباء عائلة جورني كيلي بإمكانية استخدام صمامات قلبها الأصلي لإنقاذ أطفال آخرين، لم تتردد والدتها لحظة واحدة، قائلة:
“أخبرونا أن الأجزاء السليمة من قلبها القديم يمكن أن تساعد أطفالًا آخرين. لم نسأل سوى سؤال واحد: أين نوقّع؟”
أما والد كينسلي فريزل، الطفلة التي تلقت أحد الصمامات، فقد وصف العملية بـ*“الاستثنائية بكل المقاييس”*. وأضاف:
“لا أستطيع تخيل مقدار التنسيق المطلوب لتنفيذ مثل هذا الإجراء، لكن كواحد من الآباء الذين استفادوا من هذا الإنجاز، لا يمكنني إلا أن أكون ممتنًا.”
أما والدة مارغريت فان بروغن، الطفلة التي حصلت على الصمام التاجي الحي، فتحدثت عن شجاعة ابنتها قائلة:
“كانت في المستشفى، وكدنا أن نفقدها. لكنها كانت شجاعة للغاية، ولذلك كان عليّ أن أكون شجاعة مثلها.”
ماذا بعد؟ عن مستقبل زراعة الصمامات الحية:
تمثل هذه الجراحة بداية عهد جديد في علاج أمراض القلب للأطفال. ومع ذلك، لا تزال هناك حاجة إلى دراسات إضافية وموافقات تنظيمية قبل أن تصبح هذه التقنية متاحة على نطاق واسع.
لكن ما حدث في مركز ديوك الطبي لا شك أنه فتح آفاقًا جديدة في عالم الطب، مانحًا الأمل للأطفال الذين يعانون من أمراض قلبية معقدة، ومثبتًا مرة أخرى أن الابتكار الطبي قادر على تغيير الحياة.
د جمال الدباس
المصدر: جامعة ديوك، 27 فبراير 2025.