
القلب والعقل… حكاية خفية تختصر العمر
القلب والعقل… حكاية خفية تختصر العمر
هناك حقيقة صادمة تتكرر بصمت خلف أبواب العيادات: من يعاني من اضطرابات نفسية شديدة يعيش في المتوسط ما بين خمس عشرة إلى عشرين سنة اقل من غيره.
وليس السبب كما يتوقع البعض هو الانتحار، بل ما هو أخطر وأهدأ… القلب.
نعم، أمراض القلب هي القاتل الأول بين مرضى الاكتئاب والقلق والاضطرابات النفسية الشديدة.
فالمصاب بالاكتئاب مثلا معرض بمقدار اربعة اضعاف للإصابة بأمراض القلب.
واذا تعرض لنوبة قلبية، فإن خطر الوفاة لديه يتضاعف مقارنة بمن لا يعاني من اضطراب نفسي.
ولعل الأخطر من المرض هو التجاهل المتبادل:
فأطباء القلب نادرا ما يسألون عن الحالة النفسية، وأطباء النفس غالبا لا يفتشون عن عوامل خطر القلب.
ولذلك، وصف أطباء القلب في مؤتمر عالمي حديث هذا الترابط الخطير بين القلب والعقل بأنه “وباء صامت”.
لكن المشهد تغير…
فهناك اليوم دعوة قوية إلى بناء جسر جديد بين طب القلب وطب النفس.
دعوة لفهم المريض كإنسان كامل، وليس كمجموعة أعراض منفصلة.
ولهذا بدأ أطباء القلب حول العالم باستخدام اختبار نفسي بسيط من سؤالين فقط، يطرحه الطبيب على المريض دون حرج أو تعقيد:
١ هل شعرت خلال الأسبوعين الماضيين بالحزن أو فقدان الأمل؟
٢ هل فقدت رغبتك في الأشياء التي كنت تحبها وتستمتع بها؟
إذا كانت الإجابة نعم، فقد يكون الاكتئاب شريكا خفيا في المشهد القلبي ويستحق ان ننتبه له.
فالدواء لا يكفي وحده.
الدراسات اثبتت ان التوتر المزمن، العزلة، الفقر، وصدمات الطفولة كلها تصيب القلب كما تصيب النفس.
وفي المقابل، فإن التفاؤل، الحب، الإيمان، والمساندة الاجتماعية تسهم في شفاء الاثنين معا.
حتى الأدوية تحتاج إلى وعي.
بعض مضادات الاكتئاب تؤثر على نظم القلب، وبعض أدوية القلب قد تسبب الاكتئاب أو اضطراب النوم.
ولذلك، يجب أن يكون هناك توازن دقيق واختيار مدروس لكل دواء يوصف.
الرسالة واضحة: لا يمكننا فصل ما بين العقل والجسد.
من يعاني من مرض في القلب قد يكون يحمل حزنا في أعماقه.
ومن تنهكه الأفكار والضغوط قد يكون قلبه في خطر دون أن يدري.
لذلك، إن كنت ممن يراجع طبيب القلب، فلا تتردد في أن يسألك الطبيب سؤالين عن حالتك النفسية.
وقد تكون هذه اللحظة البسيطة هي الخطوة الأولى في إنقاذ قلبك… وعقلك معا.
فالعقل يشفي القلب، والقلب يرمم العقل.
وصحتك النفسية والجسدية ليست خيارا بين اثنين، بل ركنان لا غنى عن احدهما.
بتصرف عن نقاش علمي نشر في Medscape ضمن فعالية علمية بالتعاون مع الجمعية الأوروبية للقلب – يونيو ٢٠٢٥
بقلم: د جمال الدباس
#القلب_والعقل
#صحتك_أمانة
#جمعية_القلب_الأردنية