
الفجوة تتسع… والسمنة والضغط والسكري في تصاعد مستمر بأميركا
الفجوة تتسع… والسمنة والضغط والسكري في تصاعد مستمر بأميركا
في الوقت الذي كان يأمل فيه كثيرون أن تشكل جائحة كورونا لحظة مراجعة كبرى للمنظومات الصحية حول العالم، تكشف دراسة أميركية حديثة واقعًا مقلقًا: معدلات السمنة، وارتفاع ضغط الدم، والسكري تستمر في التصاعد، فيما تتسع الفجوة الصحية بين الولايات، لا سيما في الفئات الأكثر هشاشة اقتصاديًا واجتماعيًا.
نُشرت هذه الدراسة في المجلة الأميركية لأمراض القلب، واعتمدت على تحليل بيانات أكثر من 940 ألف شخص تم جمعها عبر أكبر مسح صحي مستمر في العالم (BRFSS)، خلال عقد كامل من الزمن (2011 – 2021). وكان أبرز ما خلُص إليه الباحثون هو الارتفاع المقلق في عوامل الخطر القلبية مقابل اتساع واضح في التفاوتات الجغرافية والاجتماعية داخل الولايات المتحدة.
أرقام لا تطمئن
خلال السنوات العشر التي شملتها الدراسة، ازدادت نسبة السكري بين البالغين الأميركيين من 10.9% إلى 12.4%، وارتفعت معدلات ارتفاع ضغط الدم من 32.4% إلى 33.7%، بينما قفزت السمنة من 27.5% إلى 33.1%. وفي الوقت ذاته، تراجعت نسبة الكوليسترول المرتفع من 38.5% إلى 35.5%، في إشارة متواضعة للتحسن، لكنها لا تكفي لموازنة الصورة العامة.
المثير أن الفجوة بين الولايات الأميركية من حيث انتشار هذه العوامل اتسعت بشكل ملحوظ: فالتفاوت في معدلات السكري بين أعلى ولاية وأدناها ارتفع من 5.7% إلى 7.8%، وفي ارتفاع الضغط من 14.2% إلى 17.2%، والسمنة من 14.3% إلى 15.7%. وهي أرقام تشير إلى ترسخ ما يمكن تسميته بـ”التمييز الصحي حسب الموقع الجغرافي”.
بارقة أمل؟
رغم هذه المعطيات القاتمة، حملت الدراسة بعض الأخبار الإيجابية. فقد انخفضت معدلات التدخين، وانخفضت أيضًا نسب شرب الكحول بنهم، إضافة إلى تحسن طفيف في مستويات النشاط البدني. كما لو أن بعض السلوكيات الصحية بدأت تتحسن تدريجيًا، ربما نتيجة حملات التوعية أو تغيّرات ثقافية تدريجية.
من المسؤول؟
يلقي الباحثون الضوء على عدة أسباب تفسر هذا التباين والتدهور المستمر، أبرزها:
• التفاوت الاقتصادي والتعليمي بين الولايات، والذي يزداد مع الزمن.
• تفاوت في توسعة تغطية التأمين الصحي الحكومي (Medicaid)، حيث بادرت بعض الولايات لتوسيع التغطية، فيما تقاعست أخرى.
• تداعيات جائحة كورونا التي ضربت بشدة المجتمعات الأكثر فقرًا وهشاشة، وزادت من انعدام الأمن الغذائي، والاضطرابات المعيشية، وصعوبة الوصول إلى الرعاية الوقائية.
رسالة واضحة… هل من مجيب؟
تقول الباحثة راشيل غاردنر، من مستشفى بيث إسرائيل وكلية طب هارفارد: “إن اتساع الفجوة في عبء عوامل الخطر القلبية بين الولايات أمر مثير للقلق، ويحمل دلالات عميقة على مستوى السياسات الصحية العامة”. وتضيف: “مع خروجنا من تبعات الجائحة، فإن نتائجنا تُبرز الحاجة الملحّة إلى استراتيجيات موجهة للحد من هذه التفاوتات، وتحقيق العدالة الصحية”.
وربما هنا يكمن بيت القصيد. فالصحة لم تعد مجرد شأن فردي أو قرار شخصي، بل قضية مجتمعية تتطلب تدخلًا واعيًا في السياسات، والتوزيع العادل للموارد، وتحقيق الحماية الصحية للجميع، لا سيما في وجه أمراض العصر القاتلة: السمنة، الضغط، والسكري.
فهل يكون هذا التقرير جرس إنذار جديد… يُسمع هذه المرة؟
المصدر: The American Journal of Cardiology – مايو 2025
د جمال الدباس.