
ثورة في تشخيص أمراض القلب: تقنية جديدة تكشف الالتهابات في الشرايين التاجية
ثورة في تشخيص أمراض القلب: تقنية جديدة تكشف الالتهابات في الشرايين التاجية
في تطور طبي قد يُحدث نقلة نوعية في الوقاية من أمراض القلب، طور باحثون من جامعة أكسفورد تقنية تصوير جديدة تُمكّن الأطباء من رؤية الالتهابات داخل الشرايين التاجية مباشرةً، وهو ما قد يساعد في تقييم مخاطر النوبات القلبية بشكل أكثر دقة من الطرق التقليدية التي تعتمد على مستويات الكوليسترول.
التقنية الجديدة، التي يتم تطويرها وتسويقها حاليًا ، تعتمد على التصوير المقطعي المحوسب للأوعية الدموية (CCTA) المدعوم بالذكاء الاصطناعي. وتعمل هذه التقنية عن طريق تحليل التغيرات في الدهون المحيطة بالشرايين، حيث تقوم الشرايين الملتهبة بإفراز جزيئات تسبب تحلل الدهون وتغير تكوينها، وهو ما يمكن رؤيته وقياسه باستخدام خوارزميات الذكاء الاصطناعي المتقدمة.
كيف يعمل التصوير المقطعي المبرمج للكشف عن الالتهابات؟
يقول البروفيسور أنطونيدس، رئيس قسم طب القلب والأوعية الدموية في جامعة أكسفورد، إن هذه التقنية الجديدة تتيح للأطباء تحديد مدى التهاب الشرايين التاجية بدقة ميكرومترية عبر تحليل الصور المقطعية الروتينية. ويضيف أن هذا الأسلوب يشبه إلى حد كبير “صدى الالتهاب”، حيث يمكن للتصوير أن يعكس نشاط الالتهاب دون الحاجة إلى تدخل جراحي.
التقنية تستخدم مؤشر توهين الدهون المحيطة بالشرايين (FAI)، وهو مقياس يساعد في تقييم مستوى الالتهاب في الأوعية الدموية. ومن خلال تحليل هذه البيانات، يمكن للأطباء توقع مخاطر حدوث النوبات القلبية وتحديد المرضى الذين يحتاجون إلى علاج وقائي قبل تفاقم حالتهم.
تغيير قواعد اللعبة في طب القلب الوقائي
لطالما كان الالتهاب عاملًا رئيسيًا في تطور أمراض القلب، لكن قياسه داخل الشرايين التاجية كان يمثل تحديًا كبيرًا. وكانت الطرق التقليدية، مثل قياس بروتين C-reactive protein (hs-CRP)، توفر مؤشرات عامة عن الالتهاب في الجسم لكنها لا تحدد مكان الالتهاب بدقة داخل القلب. وهنا تأتي أهمية التقنية الجديدة التي تتيح رؤية الالتهابات في الشرايين نفسها، ما يجعلها أكثر دقة وفائدة في الوقاية من النوبات القلبية.
أظهرت الدراسات السريرية أن هذه التقنية لا تكتفي فقط بالكشف عن الالتهابات، بل تتيح أيضًا متابعة استجابة المرضى للعلاجات المضادة للالتهاب مثل الستاتينات والأدوية الأخرى. ومن المتوقع أن يكون لهذه التقنية تأثير كبير على كيفية إدارة مخاطر أمراض القلب في المستقبل، حيث سيتمكن الأطباء من متابعة تطور المرض وتعديل العلاجات بناءً على تغيرات الالتهاب في الشرايين.
الذكاء الاصطناعي ومستقبل تشخيص أمراض القلب
التطورات الحديثة في التصوير المقطعي المدعوم بالذكاء الاصطناعي تعكس اتجاهًا عالميًا نحو استخدام التكنولوجيا لتقديم تشخيصات أكثر دقة وفعالية. ويشير الخبراء إلى أن هذه التقنية قد تصبح معيارًا جديدًا في تقييم مخاطر القلب، خاصةً مع تزايد الاهتمام بالأبحاث التي تربط الالتهاب بالنوبات القلبية.
وقد سلطت دراسة حديثة، نُشرت في American Heart Association (AHA) 2024، الضوء على أهمية هذه التقنية، حيث وجدت أن المرضى الذين لا يعانون من انسداد واضح في الشرايين لكن لديهم مستويات عالية من الالتهاب كانوا أكثر عرضة للنوبات القلبية بمعدل الضعف مقارنةً بغيرهم.
هل تصبح هذه التقنية جزءًا من الفحوصات الروتينية؟
مع اقتراب حصول التقنية على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، يتوقع الخبراء أن تدخل هذه الفحوصات ضمن البروتوكولات الطبية المعتادة في السنوات القادمة. ومن المتوقع أن تساعد في تحسين استراتيجيات الوقاية من أمراض القلب، من خلال تحديد المرضى الأكثر عرضة للخطر قبل حدوث المضاعفات، مما قد يسهم في تقليل نسب الوفيات الناتجة عن النوبات القلبية.
إن التقدم السريع في تقنيات التصوير الطبي يعيد تعريف كيفية التعامل مع أمراض القلب، ومع دخول الذكاء الاصطناعي في هذا المجال، يبدو أننا أمام عصر جديد من التشخيص الدقيق والعلاج الموجه، حيث يمكن للأطباء التنبؤ بالمخاطر واتخاذ التدابير الوقائية قبل حدوث الكارثة.
د جمال الدباس